• 2022-02-18

الإدارة والحفاظ على القيم والأخلاق

من الطبيعي أن الإدارة تؤثر في قطاعات الأعمال والمؤسسات المختلفة، لكن هل تؤثر الإدارة في القيم والأخلاق، وهل تؤثر على قيمة الصدق؟ وهل تؤثر في قيمة الأمانة؟ وهل تتأثر قيمة الأخلاق بالإدارة؟! هذا ما سنتناوله في هذا المقال الجديد في نوعه..
ما نقصده بالإدارة هي إدارة المؤسسات المختلفة ربحية أو غير ربحية، رسمية أو غير رسمية، من خلال التخطيط والتنظيم والتوجيه والمتابعة، وما نقصده بالقيم والأخلاق هي مجموعة المُثل والمبادىء الاجتماعية السامية، المُستنبَطة من الدين الإسلامي مثل الصدق.. الأمانة.. العفة ...إلخ.
إن من اللازم إدراك الارتباط الوثيق بين أركان الإدارة وبين مفردات هذه القيم والأخلاق، فالالتزام بالتخطيط في المؤسسات سيفرز قيمة الطموح والأمل والحفاظ على الوقت عند الأفراد، وعلى العكس فإن عدم تبَنِّي التخطيط في المؤسسات ينعكس إثره سلبياً على الأفراد فيعمدون إلى العشوائية والسطحية ويميلون إلى إهدار قيمة الوقت.
والتنظيم بين وحدات المؤسسة يحدد الصلاحيات والمسئوليات ويرسِّخ قيمة الحب والاحترام بين الأفراد، والعمل بروح الفريق الواحد، وعلى العكس فإن غياب التنظيم وعدم تحديد الأوصاف الوظيفية والمهام يُشيع أجواء الصدام والصراعات بين الأفراد.
والمتابعة لأعمال الأقسام ومهام الأفراد تفرز بطبيعة الحال مناخاً من الضبط الذي يؤدي إلى علو قيمة الإنجاز وعدم التكاسل والتسويف، بل ويؤدي ذلك إلى منْع السرقات والتضييق على مكْر وكذِب بعض الأفراد، وبالتالي تترسخ قيمة الصدق والأمانة.
دعونا نقوم بعملية إسقاط على بعض المؤسسات، فإذا أخذنا مثالاً لها.. الأسرة، وهي مؤسسة غير ربحية، فنجد أن تربية الأولاد على التخطيط ووضع الأهداف يُرسخ عندهم قيمة الأمل والطموح. ومتابعتهم في تنفيذ التكليفات وما تم الاتفاق عليه يبني عندهم قيمة سرعة الإنجاز وعدم التسويف، بل ومتابعة الأم لابنها في ما تم صرفه من نقود وما تبقي معه؛ تحفظه من التفكير في السرقة وبالتالي ترسِّخ لديه قيمة الأمانة.
وبالإسقاط على مؤسسة ربحية، فإن تنظيم الهياكل وضبْط المُسميات الوظيفية ومهام كل موظف تقلل من الصراعات والتناحر بين الأفراد، وبالتالي يَتُم الحفاظ على قيمة الحب والتعاون. أما متابعة تنفيذ الضوابط المالية فإنها تُبعد الأفراد عن التفكير في السرقات وبالتالي تساعدهم على تبَنِّي قيمة الأمانة، وكذلك فإن المتابعة عن طريق الزيارات المتكررة تمنع العاملين من التفكير في السلوكيات غير الأخلاقية وبالتالي ترتفع قيمة العفة والحياء.
وفي المقابل فإن ضعف الإدارة يساهم في انهيار سُلَّم القيم والأخلاق في نفوس الأفراد، حتى لو كانوا ملتزمين بالدين، وحتى لو كانت هذه التجمعات ذات أيديولوجية إسلامية أو مبنية على أساس قيَمي، وهذا ما فطَن إليه النبي صلى الله عليه وسلم والذي حرص على ضبط الإدارة حتى لا تهتز القيم في نفوس أصحابه، فلم يدَع أي تجَمُّع إلا واختار له أميراً حتى لا يختلفوا فتختلف نفوسهم ويسود الخطأ وسوء الظن، وفي هذا السياق لم يركن عمر رضي الله عنه لإخلاص الصحابة وعلى خيْرِيتهم في توليتهم الأمصار والإمارات، بل كان يتابعهم ويرسل من يتابعهم ويطلب منهم تقارير دورية ليطمئن على إنجازاتهم في مهامهم، ومن الأمثال الشعبية "المال السايب يعلِّم السرقة"، أي المال بدون إدارة يعلم السرقة حتى لو كان بين ملتزمين بالأخلاق.
وقد تعامل القرآن الكريم مع إدارة المال بنفس الفكرة فحدَّد ضوابط منها: الكتابة والتوثيق، ولم يستثنِ الصادقين؛ خوفاً على ضياع صدقهم إذا لم توثَّق هذه الأموال بالكتابة، وبالتالي حافظ على قيمة الصدق
ومن هنا نعلم أن حسن الإدارة لا يعود على نجاح المؤسسات بزيادة الإنتاج ومضاعفة الإيرادات فقط، بل يعود على القيم والأخلاق والآداب، بالحفاظ عليها وتثبيتها في نفوس العاملين، فهل طبقنا علم الإدارة في كل مؤسساتنا لنحافظ على ما تبقي من أخلاق وقيم؟ اللهم قد بلّغت.